بينما كنتُ أتجوّل في الويب كعادتي، صادفتُ تغريدة غلين غابي خبير تحسين محرّكات البحث. التغريدة بدت عاديّة في البداية، لكن عند التوقّف قليلا عند مضمونها، يتبيّن أنّها تحمل معلومة مهمّة جدا لكل ناشر يهتم بالظهور في اقتراحات جوجلمن هناك فكّرت في كتابة هذه الصّفحة.
كان غلين يتحدّث عن ملاحظة غريبة نوعا ما: مواقع تضرّرت بشكل واضح من التحديثات الأساسيّة الواسعة في بحث جوجل، لكنها في المقابل ما زالت تحقّق أداء جيّدا داخل اقتراحات جوجل. هذا الأمر دفعه للتساؤل: هل ما زالت اقتراحات جوجل مجرّد امتداد مباشر لبحث جوجل؟ أم أنّ شيئا ما تغيّر؟
I am not there, but that second line sure caught my attention. We know that Discover is an extension of Search, but Google just presented "Minimal alignment to Search ranking gives us the tools we need to combat emerging abuse". I'm trying to find more info about that line, but I… https://t.co/kNFbuBghbN
— Glenn Gabe (@glenngabe) ٩ ديسمبر ٢٠٢٥
سؤال مشروع… وجواب غير متوقّع
بعد هذه الملاحظة، تابع باري شوارتز الموضوع مباشرة مع جوجل، وتحديدا بعد عرض تقديمي قُدِّم في فعالية جوجل سيرش سينترال لايف - زيورخ. الجواب الذي حصل عليه لم يكن تفصيليّا جدّا، لكنه كان واضحا في فكرته الأساسيّة وهو ما كتبه في منشور جوجل: "اكتشاف" لا يتماشى بشكل كبير مع ترتيب "البحث":
أصبحت اقتراحات جوجل اليوم أقل ارتباطا بترتيب نتائج البحث مقارنة بما كان عليه سابقا. {alertInfo}
هذه الجملة وحدها كافية لتغيير طريقة تفكير الكثير من الناشرين.
ماذا قالت جوجل بالضبط؟
بحسب ما تمّ توضيحه خلال الحدث، فإن فريق اقتراحات جوجل لديه هدف مختلف قليلا عن فريق بحث جوجل. والفكرة ببساطة:
- بحث جوجل يحاول عرض أفضل نتيجة لسؤال محدّد.
- اقتراحات جوجل تحاول عرض محتوى قد يهمّك حتى لو لم تبحث عنه.
ولتحقيق هذا الهدف، أوضحت جوجل أنّ "الاقتراحات" لا يمكنها الاعتماد فقط على نفس إشارات الجودة والترتيب الصارمة المستخدمة في بحث جوجل، لأن ذلك سيؤدي دائما إلى تكرار نفس المواقع الكبيرة بالإضافة إلى تجاهل الناشرين الصِّغار أو الجُدد.
فرصة حقيقية للمواقع الصغيرة
لسنوات طويلة، كان الاعتقاد السائد لدى أغلب الناشرين -بمن فيهم أنا- هو أن الظهور القوي في أي مساحة تابعة لجوجل يمرّ حتما عبر بوابة نتائج البحث. أي أن الموقع إن لم يكن قويّا في بحث جوجل، فلن تكون له حظوظ تُذكر في أي منتج آخر من منتجات جوجل.
شخصيا كنت أعتقد دائما أنّه ليظهر الموقع في ميزة اقتراحات جوجل، يجب عليه أن يكون أقوى ويوفّر شروطا أكثر من تلك الشّروط التي يحتاجها للظّهور في بحث جوجل، والذي أكّد لي هذا هو أن هناك صفحة ويب تتضمّن سياسات مخصّصة لميزة اقتراحات جوجل + في تلك الصّفحة جزئية تشير إلى أنّه للظّهور في ميزة اقتراحات جوجل يجب استيفاء هذه الشّروط بالإضافة إلى شروط الظّهور بحث جوجل.
التوضيح الجديد حول اقتراحات جوجل يكسر هذا التصوّر بشكل واضح.
اقتراحات جوجل اليوم تحاول أن توسّع دائرة المحتوى الذي يصل إلى المستخدم، بدل الاكتفاء بإعادة تدوير نفس الأسماء والمواقع المعروفة. هذا التوجّه يجعل "اقتراحات جوجل" مساحة مختلفة بطبيعتها، تسمح بظهور أصوات جديدة ومحتوى متخصّص قد لا يملك بعد مقوّمات المنافسة في نتائج البحث التقليدية.
النقطة الأهم في هذا التوضيح هي التَّالية:
الموقع لا يحتاج أن يكون متصدّرا في نتائج بحث جوجل حتى يظهر في اقتراحات جوجل. {alertInfo}
بل وأكثر من ذلك، أوضحت جوجل أن الموقع قد لا يكون مصنَّفا أصلا لمعظم الكلمات المفتاحية ومع ذلك يمكن أن يظهر محتواه في اقتراحات جوجل.
وهذا يفتح الباب أمام:
- مواقع إلكترونية جديدة
- مدونات متخصّصة صغيرة
- ناشرين لا يملكون قوة أو سلطة كبيرة في البحث
وهو أمر لم يكن ممكنا بنفس السهولة في السابق، وهذا التغيّر يفسّر ملاحظة يشاركها كثير من المستخدمين:
لماذا نرى أحيانا محتوى ضعيفا أو سيئا في اقتراحات؟
عند تصفّح اقتراحات جوجل، يلاحظ بعض المستخدمين والناشرين أن مستوى جودة المحتوى المعروض ليس ثابتا دائما، وأن الخلاصة قد تتضمّن أحيانا مواد لا تبدو بنفس الجودة التي اعتادوا عليها في نتائج البحث. هذا الانطباع طبيعي، لكنه لا يعني بالضرورة أن "اقتراحات" (أضعف) من البحث، بل أنها تعمل وفق منطق مختلف.
"اقتراحات جوجل" مصمَّمة لتكون مساحة اقتراح وتجربة، وليس نظام ترتيب تنافسي صارم مثل البحث. ولتحقيق هدفها في إظهار محتوى جديد ومتنوّع، تعتمد على قدر أكبر من الانفتاح على مصادر غير معروفة، وهو ما يجعل هامش الخطإ أو التفاوت في الجودة أكبر نسبيا مقارنة بنتائج البحث التَّقليديَّة.
هذا التغيّر يفسّر ملاحظة يشاركها كثير من المستخدمين:
وجود محتوى ضعيف أو غير مرغوب فيه أحيانا داخل اقتراحات جوجل. {alertInfo}
بحسب ما فُهم من حديث ممثّل جوجل، فإن الفصل الجزئي بين الاقتراحات والبحث يجعل من السهل نسبيا على نطاق جديد الظهور في "اقتراحات جوجل" مقارنة بمحاولة الترتيب في البحث.
جوجل نفسها تعي هذا التحدّي، وقد أشارت إلى أن هناك مشكلة (محتوى غير مرغوب فيه) حقيقية داخل "اقتراحات جوجل"، وأن العمل جار على تحسين التوازن بين:
- دعم الناشرين الصغار؛
- منع إغراق الخلاصة (اقتراحات جوجل) بمحتوى سيّئ الجودة.
هل هذا يعني أن الجودة لم تعد مهمّة؟
مع الحديث عن تقليل الارتباط بين اقتراحات جوجل وترتيب البحث، قد يتبادر إلى الذهن تساؤل مشروع: هل يعني ذلك أن معايير الجودة أصبحت أقل أهمية؟ هذا الانطباع قد يبدو منطقيّا للوهلة الأولى، خاصة عند ملاحظة تنوّع مستوى المحتوى المعروض داخل اقتراحات جوجل.
لكن في الواقع، المسألة لا تتعلّق بتجاهل الجودة، بل بتغيُّر طريقة تقييمها. اقتراحات جوجل لا تتخلّى عن فكرة المحتوى الجيّد، وإنما تنظر إليه من زاوية مختلفة تتناسب مع كونها نظام اقتراحات موجَّه للمستخدم، لا محرك إجابات يعتمد على المنافسة المباشرة بين الصفحات.
وهنا نقطة مهمّة جدّا يجب توضيحها، اقتراحات جوجل لا تعني "أي محتوى"، كما لا تعني تجاهل الجودة أو المصداقية.
لكن الجودة هنا تُقاس بشكل مختلف عن البحث:
- مدى جذب المحتوى
- حداثته
- توافقه مع اهتمامات الشّخص
- طريقة العرض (العنوان، الصورة، السياق)
وليس فقط: الروابط، القوة، والترتيب التقليدي.
ماذا يعني هذا للناشرين؟
هذا التوضيح من جوجل لا يخص فئة معيّنة من الناشرين بقدر ما يعكس توجّها عامّا في طريقة عمل اقتراحات جوجل. سواء كان الموقع كبيرا أو صغيرا، معروفا أو في بداياته، فإن آلية الظهور لم تعد مرتبطة حصريّا بالمكانة في نتائج البحث، بل بطبيعة المحتوى نفسه وكيفية تقديمه للمستخدم.
بالنسبة للناشرين، هذا يعني أن اقتراحات جوجل يمكن أن تكون مساحة مختلفة للتواصل مع الجمهور، ومسارا قويّا موازيا للبحث التقليدي، لها مَنطِق خاص وإشارات تقييم تختلف عمّا اعتاد عليه كثيرون في تحسين محرّكات البحث.
بالنسبة للناشرين، هذا الخبر يحمل فرصة حقيقية:
- لم تعد اقتراحات جوجل حِكرا على المواقع الكبيرة فقط
- المحتوى المتخصّص، الواضح، والمفيد يمكن أن يجد طريقه للمستخدم
- حتى لو كان الموقع لا ينافس بعد في نتائج البحث
لكن في المقابل، الاعتماد على العناوين المضلّلة أو المحتوى السطحي قد ينجح مؤقتا لكنه لن يكون حلّا طويل الأمد.
اقتراحات جوجل ليست اختصارا للطريق، بل طريق مختلف بقواعد مختلفة.
النقاشات التي أُثيرت خلال فعالية (Google Search Central Live – Zurich)، وما تبعها من توضيحات، لا تعكس تعديلا تقنيّا عابرا، بل تشير إلى تغيّر أعمق في طريقة تفكير جوجل حول "اقتراحات" ودورها داخل منظومة البحث ككل. هذا التغيّر يفرض على الناشرين إعادة النظر في كيفية تقييمهم لأداء محتواهم خارج نتائج البحث التقليدية.
ما تمّ توضيحه في الفعالية يؤكّد أن اقتراحات جوجل:
- لم تعد انعكاسا مباشرا لترتيب البحث؛
- أصبحت مساحة اختبار وتنوُّع للمحتوى؛
- تحاول الموازنة بين دعم الناشرين الأصغر ومحاربة المحتوى غير المرغوب فيه.
فهم هذا التغيّر مهم جدا لكل ناشر، خصوصا لمن يبني محتواه اليوم وهو ينظر إلى المستقبل، لا فقط إلى نتائج البحث التَّقليديَّة.