
الدفع مقابل الزحف، قريبا سيتمكّن مالكو المواقع الإلكترونية من تحقيق الرِّبح مقابل المحتوى الخاص بهم الذي ترتاده زواحف الذّكاء الاصطناعي.
في السّنين القليلة الأخيرة، تسارع نموّ الذّكاء الاصطناعي وأدواته بشكل مهول، وكانت له آثار جانبيَّة كارثية على العديد من مشرفي المواقع الإلكترونية ومنشئي المحتوى.
تَستخدِم أدوات الذّكاء الاصطناعي برامج زحف للوصول إلى المحتوى المتاح على الإنترنت، وتستخدم هذا المحتوى للتّعلّم أو لأي أغراض أخرى خاصّة بها.
حتى قبل إعلان كلاودفلير عن الدّفع مقابل الزحف، كان مشرفو المواقع الإلكترونية -فيما يتعلّق بزواحف الذّكاء الاصطناعي- إمَّا يقومون بالسّماح لها باستخدام المحتوى، لأنه منشور بشكل عامّ، أو حظرها بشكل كلي وتضييق النّطاق على المحتوى.
جاءت كلاودفلير بحلّ ذكيّ من الممكن أن تكون له آثار كبيرة في عالم الذّكاء الاصطناعي. لصالح مشرفي المواقع الإلكترونية ومنشئي المحتوى.
قالت شركة كلاودفلير، بدل أن يكون منشئ المحتوى مجبرا على السّماح لزواحف الذّكاء الاصطناعي من الوصول إلى المحتوى أو مجبرا على إغلاق أبواب موقعه الإلكتروني بحظر تلك الزّواحف، لم لا يكون هناك خيار ثالث.
الخيار الثّالث هو إمكانية فرض رسوم على أدوات الذّكاء الاصطناعي التي ترغب في الوصول إلى المحتوى. يُمكنك قراءة شرح مبسَّط لمعنى الدفع مقابل الزحف، أو يُمكنك متابعة القراءة:
كيف يعمل الدّفع مقابل الزحف
عندما يحاول روبوت الذكاء الاصطناعي الوصول إلى صفحة من موقعك:
- إذا كان مستعدًا للدفع، يُسمح له بالدخول (يتم إرجاع رمز HTTP 200).
- إذا لم يكن مستعدا للدفع، يتم منعه وتُرسل له رسالة برمز HTTP 402 (أي: "الدفع مطلوب").
- السعر يكون محددًا من طرف صاحب الموقع (مثلا: 0.01 دولار لكل صفحة).
الفكرة العامَّة: عندما يحاول روبوت ذكاء اصطناعي (مثل الذي تستخدمه شركات مثل OpenAI أو Google أو Perplexity) أن يزور موقعك لقراءة المحتوى:
يرسل طلبا إلى الموقع.
-
موقعك يستقبل هذا الطلب من خلال كلاودفلير.
-
كلاودفلير تتحقق:
-
هل هذا الروبوت مسجّل؟
-
هل هو مستعد للدفع؟
-
هل السعر مناسب؟
-
-
إن توفرت الشروط، يُسمح له بالدخول ويتم تسجيل الفاتورة.
-
إن لم يتوفّر الدفع، يُمنع الروبوت ويُرسل له إشعار بالدفع المطلوب.
كيف تتم العملية تقنيّا؟
1. الروبوت يطلب صفحة
مثلاً، يريد الدخول إلى:
https://example.com/news/today.html
2. هل الدفع مفعّل على هذا الموقع؟
إذا كان صاحب الموقع فعّل الدّفع مقابل الزّحف "Pay Per Crawl" من خلال كلاودفلير، فإن الموقع يقرر:
-
هذا الروبوت معه اتفاقية (يُسمح له)
-
هذا الروبوت سيدفع (يرسل له السعر)
-
هذا الروبوت غير مرغوب فيه (يتم حظره)

3. في حالة الدفع، يحصل هذا التسلسل:
الحالة 1: الروبوت لا يعلم أن الدفع مطلوب
-
الموقع يرد عليه بـ:
أي: ❝عليك أن تدفع 0.03 دولار لهذه الصفحة❞
الحالة 2: الروبوت يوافق على السعر
-
يعيد الطلب مع هذا السطر:
-
في هذه الحالة، يُسمح له بالدخول ويرد الموقع بـ:
ويتم تسجيل العملية وفوترتها لاحقا.
تأثير الدّفع مقابل الزّحف على الذّكاء الاصطناعي
مناقشة تأثير الدّفع مقابل الزّحف على الذّكاء الاصطناعي تتطلب تبسيطًا مدروسًا، لأن "الدفع مقابل الزحف" لا تؤثر فقط على التقنية، بل على الاقتصاد الرقمي بأكمله.
أوّلا: كيف يعمل الذّكاء الاصطناعي اليوم
روبوتات الذكاء الاصطناعي (مثل شات جي بي تي وجيميناي وبيربليكسيتي) تحتاج إلى قراءة كميات ضخمة من المحتوى من الإنترنت (مواقع إخبارية، موسوعات، منتديات، مدونات...) لكي تتعلّم وتقدّم إجابات للمستخدمين.
المشكلة: هذه الروبوتات تجمع هذا المحتوى غالبا بدون إذن أو مقابل مالي.
الآن: ما الذي تغيّر مع "الدفع مقابل الزحف"؟
تقول كلاودفلير:
إذا أردت أن تستخدم محتوى الآخرين لتدريب الذكاء الاصطناعي، فعليك أن تدفع لهم.
وهنا تبدأ التأثيرات الكبيرة...
التأثيرات المحتملة على الذكاء الاصطناعي:
1. ارتفاع كلفة التدريب والتحديث
قبل: شركات الذكاء الاصطناعي كانت تزحف وتخزن بلا حسيب ولا رقيب.
بعد: ستضطر لدفع المال مقابل كل صفحة تقرؤها، ما يعني زيادة كبيرة في التكاليف.
النتيجة: فقط الشركات الكبرى التي تملك ميزانيات ضخمة ستكون قادرة على مواصلة الزحف بحرّية.
2. ظهور سوق جديد للمحتوى عالي الجودة
- المواقع التي تنشر محتوى مميزا ستصبح "مناجم ذهب" لشركات الذَّكاء الاصطناعي.
- سيتم تعويض هذه المواقع ماليّا مقابل استخدام محتواها.
3. انخفاض المحتوى المجاني المُتاح للذكاء الاصطناعي
- كثير من المواقع الإلكترونية ستغلق الزحف المجاني وتطلب المال.
- سيُصبح الوصول إلى محتوى الإنترنت أصعب وأغلى بالنسبة للروبوتات.
4. تعزيز مبدأ الملكية الفكرية
هذه الميزة تمنح الناشرين حقهم الطبيعي:
أنت لا تستطيع استخدام عملي إلا بموافقتي وبدفعٍ عادل.
النتيجة: سيتغير موقف كثير من الصحف والمواقع، وستبدأ بالمشاركة بدلا من المقاومة.
5. تحوّل الإنترنت إلى اقتصاد بيانات
بدلاً من أن يكون الويب مساحة مجانية مفتوحة، سيتحوّل إلى نظام فيه:
- من يملك المحتوى
- من يستهلكه
- من يدفع مقابله
- من يُفاوض عليه
في الختام: يُمثّل نظام "الدفع مقابل الزحف" نقطة تحوّل في العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والويب، حيث لم يعد المحتوى الرقمي سلعة مجانية تُستهلك دون اعتبار لصانعيه. بل بات بإمكان منشئي المحتوى ومشرفي المواقع استعادة زمام الأمور، وفرض شروط عادلة تضمن لهم مقابلاً على ما ينتجونه من معرفة وبيانات.
هذا التحوّل لن يغيّر فقط سلوك روبوتات الذكاء الاصطناعي، بل سيُعيد رسم ملامح الإنترنت نفسه، في اتجاه أكثر احتراما للملكية، وأكثر عدلا في توزيع القيمة. ومع تطوّر هذا النموذج، قد نشهد ولادة اقتصاد رقمي جديد، تقوم فيه العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والمحتوى على أساس التّرخيص والتفاوض، لا على الاستخلاص المجاني.
0 تعليقات
شارك رأيك مع مدوّنة الدّعم العَربي! يرجى الالتزام بقواعد التعليقات. التعليقات التي تحتوي على إساءة أو تشهير أو دعاية أو محتوى مسيء لن يتم نشرها بعد المراجعة اليدويّة.